فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (91):

قوله تعالى: {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ (91)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كمل إثمهم بالضلال والإضلال، استحقوا الأخذ فقال: {فأخذتهم} أي فتسبب عن أقوالهم هذه وأفعالهم أنه أخذتهم {الرجفة} أي الزلزلة العظيمة في القلوب أو الديار التي كانت سببًا للصيحة أو مسببة عنها {فأصبحوا في دارهم} أي مساكنهم، وتقدم سر توحيدها {جاثمين} أي باركين على الركب أو لازمين أمكنتهم لا حراك بهم، وهذا دون ما كان النبي صلى الله عليه وسلم لما نزلت الملائكة بحنين، فكان الكفار يسمعون في أجوافهم مثل وقع الحصاة في الطست، ودون ما كان يجد مخالفه من الرعب من مسيرة شهر من ورائه وشهر من أمامه، ولكونه كان نبي الرحمة ما اقتضى ذلك الهلاك بل النجاة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة}.
وهي الزلزلة الشديدة المهلكة، فإذا انضاف إليها الجزاء الشديد المخوف على ما ذكره الله تعالى من قصة الظلمة، كان الهلاك أعظم، لأنه أحاط بهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي في مساكنهم {جاثمين} أي خامدين ساكنين بلا حياة وقد سبق الاستقصاء في تفسير هذه الألفاظ. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} قال الكلبي: الزلزلة.
قال ابن عباس: وغيره من المفسّرين: فتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم فأرسل عليهم ريحًا وحرًّا شديدًا، فأخذ بأنفاسهم فدخلوا أجواف البيوت فلم ينفعهم ظل ولا ماء فأنضجهم الحر فبعث الله عزّ وجلّ سحابة فيها ريح طيّبة فوجدوا برد الريح بطيبها وظل السحابة فتنادوا عليكم بها فخرجوا إلى البريّة فلمّا اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارًا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجرّاد المعلّى وصاروا رمادًا وهو عذاب يوم الظلّة، وذلك قوله: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} ميّتين قال أبو العالية: ديارهم منازلهم، وقال محمد بن مروان: كل شيء في القرآن {دارهم} فهو مرغمهم وكلّ شيء {ديارهم} فهو عساكرهم.
قال ابن إسحاق: بلغني أن رجلًا من أهل مدين يُقال له عمر بن جلهاء لمّا رأى الظلّة فيها الغضب. قال: يا قوم إن شُعيبًا مُرسلٌ فذروا عنكم سُميرًا أو عمران بن شداد إني أرى غيمة ياقوم طلعت دعو بصوت على صمانة الوادي، فإنّكم إن تروا فيها ضحاة غد إلاّ الرقيم يمشي بين أنجاد وسُميرًا وعمران: كاهناهم راعيين، والرقيم كلبًا لهما.
قال أبو عبد الله البجلي: أبجد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت: أسماء ملوك وكان ملكهم يوم الظلة في زمان شعيب. فقالت أخت كلمون تبكيه:
كلمون هدَّ ركني هلكه وسط المحله سيّد القوم أتاه الحتف نارًا وسط ظلة.... جعلت نار عليهم دارهم كالمضمحلة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة}.
و{الرجفة} الزلزلة الشديدة التي ينال معها الإنسان اهتزاز وارتعاد واضطراب.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن فرقة من قوم شعيب أهلكت ب {الرجفة} وفرقة بالظلة ويحتمل أن الظلة و{الرجفة} كانتا في حين واحد، وروي أن الله تعالى بعث {شعيبًا} إلى أهل مدين وإلى أصحاب الأيكة، وقيل هما طائفتان وقيل واحدة وكانوا مع كفرهم يبخسون الكيل والوزن فدعاهم فكذبوه فجرت بينهم هذه المقاولة المتقدمة، فلما عتوا وطالت بهم المدة فتح الله عليهم بابًا من أبواب جهنم فأهلكهم الحر منه فلم ينفعهم ظل ولا ماء، ثم إنه بعث سحابة فيها ريح طيبة فوجدوا برد الريح وطيبها فتنادوا، عليكم الظلة، فلما اجتمعوا تحت الظلة وهي تلك السحابة انطبقت عليهم فأهلكتهم، قال الطبري: فبلغني أن رجلًا من أهل مدين يقال له عمرو بن جلهاء قال لما رأها: [البسيط]
يا قوم إن شعيبًا مرسل فذروا ** عنكم سميرًا وعمران بن شداد

إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت ** تدعو بصوت على ضمّانه الواد

وإنه لن تروا فيها ضحاء غد ** إلا الرقيم يمشّي بين انجاد

وسمير وعمران كاهناهم والرقيم كلبهم، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر {شعيبًا} قال: ذلك خطيب الأنبياء لقوله لقومه: {وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب} [هود: 88].
قال القاضي أبو محمد: يريد لحسن مراجعته وجميل تلطفه. وحكى الطبري عن أبي عبد الله البجلي أنه قال: أبو جاد وهو زوحطي وكلمن وصعفض وقرست أسماء ملوك مدين، وكان الملك يوم الظلة كلمن، فقالت أخته ترثيه: [مجزوء الرمل]
كلمن قد هد ركني ** هلكه وسط المحله

سيد القوم اتساه ** حتف نار وسط ظله

جعلت نار عليهم ** دارهم كالمضمحله

قال القاضي أبو محمد: وهذه حكاية مظنون بها والله علم، وقد تقدم معنى {جاثمين}. اهـ.

.قال الخازن:

{فأخذتهم الرجفة} يعني الزلزلة الشديدة {فأصبحوا في دارهم جاثمين} قال ابن عباس وغيره: فتح الله عليهم بابًا من جهنم فأرسل عيلهم حرًا شديدًا من الظاهر فخرجوا هربًا إلى البرية فبعث الله عليهم سحابة فيها ريح طيبة باردة فأظلتهم وهي الظلة فوجدوا لها بردًا ونسيمًا فنادى بعضهم بعضًا حتى إذا اجتمعوا تحت السحابة رجالهم ونساؤهم وصبيانهم ألهبها الله عليهم نارًا ورجفت بهم الأرض من تحتهم فاحترقوا كاحتراق الجراد في المقلاة وصاروا رمادًا، وروي أن الله تعالى حبس عنهم الريح سبعة أيام ثم سلط عليهم الحر حتى هلكوا بها.
وقال قتادة: بعث الله شعيبًا إلى أصحاب الأيكة وإلى أهل مدين فأما أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلة وأما أهل مدين فأخذتهم الرجفة صاح بهم جبريل عليه السلام صيحة هلكوا جميعًا.
قال أبو عبد الله البجلي: كان أبو جاد وهوز وحطي وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين وكان ملكهم في زمن شعيب يوم الظلة اسمه كلمن فلما هلك قالت ابنته شعرًا تبكيه وترثيه به:
كلمن هدم ركني ** هلكه وسط المحلهْ

سيد القوم أتاه ** هلك نار تحت ظلهْ

جعلت نارًا عليهم ** دارهم كالمضمحلهْ

. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين}.
تقدم تفسير مثل هذه الجملة، قال ابن عباس وغيره: لما دعى عليهم فتح عليهم باب من جهنم بحرَ شديد أخذ بأنفاسهم فلم ينفعهم ظلّ ولا ماء فإذا دخلوا الأسراب ليتبرّدوا وجدوها أشدّ حرًّا من الظاهر فخرجوا هربًا إلى البرية فأظلتهم سحابة فيها ريح طيبة فتنادوا عليكم الظلة فاجتمعوا تحتها كلهم فانطبقت عليهم وألهبها الله نارًا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلو فصاروا رمادًا.
وروي أن الريح حبست عنهم سبعة أيام ثم سلّط عليهم الحر، وقال يزيد الجريري: سلط عليهم الرّيح سبعة أيام ثم رفع لهم جبل من بعيد فأتاه رجل فإذا تحته أنهار وعيون فاجتمعوا تحته كلهم فوقع ذلك الجبل عليهم، وقال قتادة: أرسل شعيب إلى أصحاب الأيكة فأهلكوا بالظلّة وإلى أصحاب مدين فصاح بهم جبريل صيحةً فهلكوا جميعًا وقال ابن عطية: ويحتمل أنّ فرقة من قوم شعيب هلكت بالرّجفة وفرقة هلكت بالظلّة، وقال الطبري بلغني أنّ رجلًا منه يقال له عمرو بن جلّها لما رأى الظلة.
قال الشاعر:
يا قوم إن شعيبًا مرسل فذروا ** عنكم سميرًا وعمران بن شدّاد

إني أرى غيمة يا قوم قد طلعت ** تدعو بصوت على صمانة الواد

وإنه لن تروا فيها صحاء غد ** إلا الرّقيم تمشي بين أنجاد

سمير وعمران كاهناهم والرّقيم كلبهم، وعن أبي عبد الله البجلي: أبو جاد وهوّز وحطى وكلمن وسعفص وقرشت أسماء كملوك مدين وكان كلمن ملكهم يوم نزول العذاب بهم زمان شعيب عليه السلام فلما هلك قالت ابنته تبكيه:
كلمن قد هدّ ركني ** هلكه وسط المحله

سيّد القوم أتاه ** حتف نار وسط ظله

جُعلت نار عليهم ** دارهم كالمضمحلهْ

. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلة وهكذا في سورة العنكبوت وفي سورة هود: {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} أي صيحةُ جبريلَ عليه السلام، ولعلها من مبادئ الرجفةِ فأُسند هلاكُهم إلى السبب القريبِ تارةً وإلى البعد أخرى {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ} أي في مدينتهم وفي سورة هودٍ في ديارهم {جاثمين} أي ميّتين لازمين لأماكنهم لا بَراحَ لهم منها. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرجفة} أي الزلزلة كما قال الكلبي وفي سورة هود {وَأَخَذَتِ الذين ظَلَمُواْ الصَّيْحَةُ} [هود: 94] أي صيحة جبريل عليه السلام، ولعلها كانت من مبادي الرجفة فأسند إهلاكهم إلى السبب القريب تارة وإلى البعيد أخرى، وقال بعضهم: إن القصة غير واحدة فإن شعيبًا عليه السلام بعث إلى أمتين أهل مدين وأهل الأيكة فأهلكت أحدهما بالرجفة والأخرى بالصيحة، وفيه أنه إنما يتم لو لم يكن هلاك أهل مدين بالصيحة، والمروي عن قتادة أنهم الذين أهلكوا بها وأن أهل الأيكة أهلكوا بالظلة.
وجاء في بعض الآثار أن أهل مدين أهلكوا بالظلة والرجفة، فقد روى عن ابن عباس وغيره في هذه الآية إن الله تعالى فتح عليه بابًا من جهنم فأرسل عليهم حرًا شديدًا فأخذ بأنفاسهم ولم ينفعهم ظل ولا ماء فكانوا يدخلون الأسراب فيجدونها أشد حرًا من الظاهر فخرجوا إلى البرية فبعث الله تعالى سحابة فيها ريح طيبة فأظلتهم فوجدوا لها بردًا فنادى بعضهم بعضًا حتى اجتمعوا تحتها رجالهم ونساؤهم وصبياهم فألهبها عليهم نارًا ورجفت بهم الأرض فاحترقوا كما يحترق الجراد المقلي وصاروا رمادًا.
ويشكل على هلاكهم جميعًا نساء ورجالًا ما نقل عن عبد الله البجلي قال: كان أبو جاد وهو زو حطى وكلمن وسعفص وقرشت ملوك مدين وكان ملكهم في زمن شعيب عليه السلام كلمن فلما هلك يوم الظلة رثته ابنته بقولها:
كلمن قد هد ركني ** هكله وسط المحله

سيد القوم أتاه الح ** تف نار تحت ظله

جعلت نار عليهم ** دارهم كالمضمحله

اللهم إلا أن يقال: إنها كانت مؤمنة فنجت، وقد يقال: إن هذا الخبر مما ليس له سند يعول عليه.
{فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جاثمين} تقدم نظيره. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ}.
والفاء في: {فأخذتهم الرجفة} للتعقيب، أي: كان أخذ الرجفة إياهم عقب قولهم لقومهم ما قالوا.
وتقدم تفسير: {فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين} في نظيرها من قصة ثمود.
والرجفة التي أصابت أهل مدين هي صواعق خرجت من ظُلة، وهي السحابة، قال تعالى في سورة الشعراء (189): {فأخَذَهم عذابُ يوم الظلة} وقد عبر عن الرجفة في سورة هود بالصيحة فتعين أن تكون من نوع الأصوات المنشقة عن قالع ومقلوع لا عن قارع ومقروع وهو الزلزال، والأظهر أن يكون أصابهم زلزال وصواعق فتكون الرجفة الزلزال والصيحة الصاعقة كما يدل عليه قوله: {كأن لم يَغْنَوا فيها}. اهـ.